مفهوم الجان في القرءان الكريم
كما حدث مع الكثير من مفردات القرءان الكريم التي ورثناها عن الآباء من التحريف عن المعنى الذي جاء به الرسول الكريم، فإن تعبير الجان ومفهومنا له قد طاله على ما يبدو لي أيضاً التحريف وسوء الفهم.
واعتقد أن من أراد الوصول إلى حقيقة ما نحن بصدده هنا من المفردات لابد أن ينسى ما ورثه من مفهوم سابق، وأن يضع أولاً الحقائق القرءانية الواضحة في نص القرءان في الإعتبار، ويتخذها قاعدة على ضوئها يفهم باقي النصوص وأن يكون متجرداً لمعرفة الحق وقبوله برغم مخالفته لما تعلمه من الآباء.
وهذا ما قد تم البدء فيه من خلال موضوع سابق بعنوان الجن والإنس، والذي رفض الكثيرون ما جاء فيه لمخالفته الموروث، فلم يكن لديهم الإستعداد لتقبل ما يعارض الذي جاء به الآباء مع مخالفته لحقائق القرءان الواضحة، مثل كون إبليس من فئة الملائكة قبل عصيانه أمر الله ووضوح النص القرءاني وتكراره لتلك الحقيقة. ولكن يتم البحث عن أي مبررات لعدم قبول هذه الأمر.
وليس على سبيل قضاء وقت الفراغ يتم إستكمال هذا الموضوع بمعونة من الله تعالى، ولكنه محاولة لحسن فهم دور المخلوقات التي يتحدث عنها القرءان، ومن هو المُخاطب ومن هو المُتحدث عنه في بعض النصوص القرءانية، وهذا بدوره يؤدي إلى الفهم الصحيح لكثير من النص القرءاني لمن كان مهتماً بتصفية فهمه لكتاب الله العزيز من شوائب وخرافات التراث.
حقائق قرءانية
من حقائق القرءان التي يجب أخذها في الحسبان:
- هناك فرق بين الجن والجان
- الجان مخلوق من النار (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ﴿٢٧﴾) سورة الحجر
- إبليس كان واحداً من الملائكة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴿٦١﴾) سورة الإسراء
- إبليس كان أيضاً من الجن (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴿٥٠﴾) سورة الكهف
- إبليس مخلوق من النار (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴿٧٦﴾) سورة ص
من هو الجان
من موضوعنا السابق عن الجن والإنس تبين أن كون إبليس من الملائكة ومن الجن في نفس الوقت أن الجن ليس مخلوقاً وإنما صفة لفئة من الملائكة وأيضاً من الإنسان وأنه يبدو أن يكون المقصود بطبقة الجن هم الكبار ذوي السلطة من الملائكة. بالإمكان هنا مراجعة تفاصيل هذا الموضوع
وهذا الذي كان مقصود بدايةً من فهم النصوص القرءانية فهماً جديداً حسب ما يتبين من مفهوم قد يكون مخالف ونسيان الموروث.
وقد علمنا من الحقائق القرءانية أعلاه أن الجان وإبليس الذي كان واحداً من الملائكة يجمعهما شئ وهو أنهما خلقا من النار. وهذا مخالف لما يرد في كتب الثراث من أن الملائكة قد خُلقت من نور، فهذا الكلام ليس عليه دليل ومخالف لصريح القرءان الذي يقول بوضوح أن إبليس الذي كان ينتمي لفئة الملائكة هو مخلوق من النار.
( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴿١٢﴾) سورة الأعراف
ومن هذا يبدو لي أن الجان المخلوق من النار خلقه الله تعالى أولاً، ثم خلق الإنسان لاحقاً من الطين. أما تعبير الملائكة فالمقصود به فئة من الجان لكل منهم أعمال معينة كلفهم الله تعالى بالقيام بها، وهذا التعبير صفة وليست إسم لمخلوق مختلف عن الجان.
ويجمع النص التالي المخلوقين ويبين الفرق بينهما (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴿٢٦﴾ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ﴿٢٧﴾ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴿٢٨﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿٢٩﴾ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿٣٠﴾ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴿٣١﴾ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴿٣٢﴾ قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴿٣٣﴾) سورة الحجر
إذن يبدو لي أن الجان هم المخلوق العام الذي خلقه الله تعالى من النار ومنهم فئة الملائكة، وفئة الشياطين التي ينتمى إليها إبليس بعد أن عصى أمر رب العالمين.
من هم الجِنَّة
تعبير الجِنَّة الوارد في النص القرءاني هو على ما يبدو صيغة الجمع لكلمة الجان، ويقابله تعبير الناس التي هى صيغة الجمع لكلمة الإنسان. الجان / الجنة ، الإنسان / الناس.
والله تعالى أعلم
تابع هنا موضوعنا بعنوان الجن والإنس في القرءان الكريم
التعليقات على الموضوع (33)