بين الصلوات الخمس والصلوة فى القرءان
مقدمة:
أعتقد أن أخطر ما ورثناه عن الأباء هو تحويل أهم التعاليم التى جاء بها القرءان الكريم إلى طقوس وحركات لا تفيد غير صاحبها فى أفضل الأحوال وليس لها تأثير على المجتمع الإنسانى، مع أن هذا هو الأصل الذى تدور حوله تعاليم السماء، وهو إصلاح المجتمعات الإنسانية فى الحيوة الدنيا وليس الأخرة التى هى دار للجزاء.
وقد كان وسيلة شياطين الإنس والجن لتحقيق هذا العمل الخطير هو تحريف الكلم عن مواضعه، وصرف التسمية القراءنية لبعض المفردات إلى معانى أخرى تخدم أغراضهم من إضلال من ينشأ بعدهم من أجيال متبعة لدين الأباء.
وقد كان مفهوم الصلوة لأهميته وتأثيره فى المجتمع الإنسانى من بين ما تم تحريف مفهومه عن موضعه عن عمد وحصره فى معنى الطقوس الحركية المعروفة بالصلاوات الخمس. حتى ضاعت بين الناس أهمية التعايش السلمى القائم على القسطاس المستقيم والإنفاق مما يحبون والوفاء بالعهد والإصلاح فى الأرض. وأصبح الأهم هو هذه الطقوس الحركية اليومية التى هى عند الأغلبية فارغة ولا فائدة منها تظهر على الفرد أو من حوله، وهى بتعبير مختصر عند الأغلبية هى مفتاح الجنة وتمثل الفرق بين الكفر والإيمان، وتم تقزيم التعاليم السماوية الأخرى التى لن يتم النظر إليها يوم الحساب ما لم يقوم صاحبها أولًا بهذه الطقوس الحركية.
ولمن يريد أن يرى نتيجة هذا العمل الشيطانى الخطير عليه أن ينظر إلى واقع المجتمعات المواظبة على هذه الطقوس الحركية وإعتبارها عماد الدين منذ أكثر من ألف عام، ليرى بعينه إنتشار الظلم والسلب والنهب والإفساد فى الأرض والتخلف عن إعمارها وبإختصار فإن هذه المجتمعات تعيش عيشة ضنك.
فأين الخلل إذًا؟ وماذا عن الجموع التى تواظب بإخلاص على الصلاوات الخمس! لماذا تعيش مجتمعاتهم معيشة ضنك؟
(مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٩٧) سورة النحل
فى بيان سورة النحل هناك وعد من الله تعلى بالحيوة الطيبة لمن عمل صالحًا وهو مؤمن هذا غير جزاء وأجر الأخرة. أليست الصلاوات الخمس عماد الدين من العمل الصالح! فلماذا لا يحيى المجتمع المواظب عليها حيوة طيبة؟
أعتقد أن الجواب هو أن الصلوة الواردة فى القرءان هى تعليم سماوى أهم من الطقوس الحركية (الصلاوات الخمس) وليس له علاقة بها. والواجب تدبر مفردة الصلوة فى القرءان من جديد للبحث عن المفهوم المقصود من وراءها.
وهذه محاولة لهذا التدبر قد قمت بها بعد عدة أعوام من الشك والبحث، وهذا فى النهاية إجتهاد شخصى غير مُلزم لأحد وليس هو الحقيقة المطلقة ولكن محاولة للتخلص مما أفسده علينا السابقون من مفاهيم مُحرفة عن موضعها.
(وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ ١١٦) سورة الأنعام
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآ أَوَلَوۡ كَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ٢١) سورة لقمان
(أَوَ لَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةً وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٥١) سورة العنكبوت
مفهوم الصلوة
لفهم معنى هذه المفردة كان يجب البحث عن بيان قرءانى واضح يعتبر مفتاحًا لفهمها صافية بدون وجود إحتمالات أخرى للفهم يمكن الذهاب إليها. ومن سياق بعض هذه النوعية من البيان القرءانى (المفتاح) أعتقد أن المفهوم العام لمفردة الصلوة هو التواصل مع الأخرين بدون إعتداء. وتتنوع طرق التواصل حسب السياق عبر جميع البيان القراءنى ولكنها تبقى فى إطار هذا المفهوم العام. والدليل على ذلك تراه بوضوح فى البيانين القرءانيين التاليين:
(فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٥) سورة التوبة
(لَا يَرۡقُبُونَ فِي مُؤۡمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ ١٠ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ١١ وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَآ أَيۡمَٰنَ لَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَنتَهُونَ ١٢) سورة التوبة
هل يرى أحد منكم أن أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ هنا تعنى ما يذهب إليه الأغلبية فيما يُسمى بالصلوات الخمس!
فالبيان يتحدث عن مشركين يصدون عن سبيل الله وقاموا بنكث عهدهم واعتدوا على المؤمنين، ويطلب من المؤمنين أن يقاتلوهم حتى يتوبوا عن الإعتداء ويقيموا الصلوة. فليس المقصود بالصلوة هنا ما إعتاد عليه الناس من الصلوات الخمس. فالقوم مشركين ولا يعترفون بهذه الصلوات، وليس المقصود إرغامهم عليها (فلن يتقبلها الله تعلى فى حالة الإكراه)، بل المقصود بإقامة الصلوة هنا هو إقامة العلاقات المشتركة بدون إعتداء على الغير.
ولاحظ بيان سورة التوبة 11 فبعد أن تاب المشركين من الإعتداء على المؤمنين وتم إقامة الصلوة، يقول البيان 12 وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ. وهذا دليل قوى على أن إقامة الصلوة كانت معاهدة بالعلاقة السلمية وعدم الإعتداء بين الطرفين.
وتعبير إقامة الصلوة هو تفعيل العلاقة مثل تعبيرات مماثلة تراها خلال القراءن على سبيل المثال:
-إقامة التوراة والإنجيل (وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِم.. ٦٦) سورة المائدة
-إقامة الدين (..أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ.. ١) سورة الشورى
-إقامة الوزن (وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ ٩) سورة الرحمن
-إقامة حدود الله (..إِلَّآ أَن َخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِ..) سورة البقرة
حيث نرى من هذه الأمثلة أنها تتحدث عن المواظبة على أو تفعيل تعاليم أو أحكام، كتفعيل أحكام وتعاليم التوراة والإنجيل وتفعيل الدين (النظام أو القوانين)..
ويبدو لى أن إلتحاق مفردة الإقامة بالصلوٰة مشابهه لإقامة الدين أو إقامة الوزن بالقسط، فالصلوٰة المقصودة هنا ليست هى الطقوس الحركية المعروفة لدى الناس.
فلا ينسجم تعبير إقامة الصلوة مع صلوة الطقوس (الصلوات الخمس)، بل ينسجم معها تعبير اداء الصلوة. فيُقال فلان ذهب لأداء صلوة العشاء ولا يُقال فلان ذهب لإقامة صلوة العشاء!
ويؤيد هذا القول النص التالى: (ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١) سورة الحج
فإقامة الصلاة الحركية المعروفة عند الناس لا تحتاج إلى تمكين فى الأرض، ولا يمكن منع أحد عن القيام بها ومراقبته فى كل مكان ليلًا ونهارًا لمنعه من اداءها، فهو إذًا عمل يكاد يكون مستحيل. ولذا فإقامة الصلوٰة فى النص السابق التى تحتاج من الإنسان أن يكون ذا حرية ومالك لزمام أمره ومتمكن فى الأرض لابد أنها شيء أخر، ولعلها كما ذكرت أنها إقامة العلاقات والدعوة السلمية فى الأرض.
ولمزيد من الأمثلة، نستعرض البيان القرءانى التالى الذى أرى أنه ينطبق مع مفهوم الصلوة كعلاقة وليس طقوس حركية:
-(أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا ٧٧) سورة النساء
نلاحظ فى بداية البيان هنا إنسجام قوله كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ، فكف الأيدى له إرتباط بمفهوم إقامة الصلوة كإقامة معاهدة تعايش سلمى، وليس له علاقة بأداء طقوس حركية 5 مرات يوميًا. ويأتى التأكيد لهذا المفهوم فى قوله فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ، أى فلما انتهت العلاقة السلمية وكُتب القتال.
-(وَإِذَا نَادَيۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ ٥٨) سورة المائدة
والأمر يستقيم هنا مع مفهوم أن المؤمنين كانوا ينادون أهل الكتاب إلى إجتماع وتواصل سلمى، وهم يتخذوا الأمر هزوا ولعبًا. بينما لا يستقيم الأمر مع مفهوم أنهم كانوا ينادونهم إلى اداء طقوس حركية مشتركة، أو كان ينادى المؤمنين بعضهم البعض لأداء هذه الطقوس فى الطرقات ليتخذها أهل الكتاب هزوًا ولعبًا! ومن المعلوم أن أهل الكتاب أيضًا لديهم ما يشبه هذه الطقوس الحركية فليس لديهم مبرر للإستهزاء منها. والواضح لى أن الأمر يتعلق هنا بالإستهزاء بنداء التواصل السلمى ويبدو من السياق أن موضوع هذا التواصل كان الدعوة لدين الله.
-وعليه لا يتعارض هذا المفهوم مع كون الصلوة من يوم الجمعة هو تواصل للرسول عليه السلام مع الناس وإجتماعه بهم فى يوم الجمعة الذي يبدو أنه كان يوم سوقًا تجاريًا.
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٩ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فى ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ١٠) سورة الجمعة
-(وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣٨) سورة الشورى
وهنا تأكيد أيضًا على مفهوم الصلوة كعلاقة، حيث جاء أمر إقامة المؤمنين للصلوة مصاحبًا لممارسة عملية الشورى بعد تفعيل العلاقة السلمية بينهم. وواضح أنه لا توجد علاقة بين عملية الشورى وقيام الناس بالطقوس الحركية.
أمر أقم الصلوة
ورد هذا الأمر بهذه الصورة مرتين خلال القرءان: (وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ ٱلَّيۡلِ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّاتَِٔ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ ١١٤ وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١١٥) سورة هود
(أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودًا ٧٨ وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودًا ٧٩) سورة الإسراء
قد كنت ممن يستدلون من هذين البيانين السابقين على أوقات الصلوة الإثنين (الفجر والعشاء)، وما كان يشغلنى وقتها لماذا جاء الأمر أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ يخاطب الرسول الكريم وحده بصيغة المفرد، ولم يأتى الأمر لجميع المؤمنين بصيغة يأيها الذين أمنوا أقيموا الصلوة طرفى النهار!
الأمر واضح فقط للرسول فلما لا نصدق أعيننا وما جاء به النص بتحديد الرسول فقط بهذا الأمر، فهل القرءان عاجزًا أن يخاطب كل المؤمنين! بالطبع لا. فعندما يخص الأمر جميع المؤمنين يبين القرءان ذلك بوضوح مثل (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَام). إذًا فلا داعى أن نُحمل النص القرءانى ما لم يأتى به، ونقول نعم هذا أمر للرسول ولكن المقصود هنا جميع المؤمنين.
فإن جاء أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ أو فَتَهَجَّدۡ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ، فالمُخاطب بهذا الأمر هو الرسول محمد فقط. ومن أراد أن يقلده فى هذا فليفعل فلم يذكر القرءان تحريم ذلك، ولكن يبقى هذا الأمر الإلهى خاص بالمُخاطب به فقط ومُتلقى الوحى وهو الرسول عليه السلام.
أما ما تعنيه مفردة الصلوة هنا فهو ينسجم أيضًا مع كونها القيام بعلاقة التواصل مع الأخرين أى ملخصًا هى القيام بالدعوة إلى الله تعلى وهى وظيفة الرسول اليومية التى يقوم بها طرفى النهار (طوال النهار) وبعض من الليل، كما ذُكر أيضًا قرءان الفجر الذى كان يشهده طائفة من الذين كانوا مع النبى (إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودًا)، وهذا ما نجده أيضًا فى بيان سورة المزمل (إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرًا وَأَعۡظَمَ أَجۡرًا وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ ٢٠) سورة المزمل
وهنا تأكيد أخر فى النص التالى (ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ ٤٥) سورة العنكبوت
حيث يتحدث البيان عن أمر للنبى بتلاوة ما يُوحى إليه من الكتب، فهل يتلوه بينه وبين نفسه؟ لا.. يجيب باقى البيان أنه يكمل الأمر بإقامة الصلوة مع الأخرين الذين سيتلو عليهم الوحى. والسياق يوضح هنا وظيفة الرسول (الدعوة) وهى من الصلوة التى يدعو الناس فيها للإنتهاء عن الفحشاء والمنكر.
صلوة الفجر وصلوة العشاء
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّٰتٖ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّ طَوَّٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٥٨) سورة النور
ورد هذا البيان تسمية لصلوتين أثناء الحديث عن تحديد الأوقات التى يستأذن فيها صنفين من الناس قبل الدخول على من يعيشون معهم، وأن هناك ثلَٰث أوقات للخلوة. وهذا البيان يتحدث عن تعاليم للتعامل بين الناس أو أفراد العائلة. وقد جاءت صلوتى الفجر والعشاء هنا من باب تحديد أوقات الإستئذان، وليس هنا أى تكليف واضح من الله تعلى بالقيام بإثنين من صلوات الطقوس الحركية (الصلوات الخمس).
ولكن هل جاء تكليف واضح من الله تعلى فى موضع أخر من القرءان بكتابة صلوتى الفجر والعشاء بالإسم كطقوس حركية على المؤمنين؟ لا..لا يوجد. حتى أن هتين الصلوتين لم يأتى ذكرهما ثانيًة فى القرءان.
إذًا فأعتقد أن المقصود هنا بوقتى الإستئدان، قبل وقت الإستيقاظ من النوم وبداية صلوة الناس بالأخرين (قبل صلوة الفجر)، وبعد خلوة الناس وإنقطاعهم عن الأخرين وهو وقت النوم (بعد صلوة العشاء). ولا مجال هنا لإستخراج تكليف أو حكم من الله بأداء طقوس (الصلوات الخمس) من داخل بيان يتحدث عن تعليم الإستئذان. ويجب البحث عن بيان قرءانى يتحدث بصراحة ووضوح عن هذا التكليف بالقيام بأداء طقسين حركيين إسمهما الفجر والعشاء.
الغسل للصلوة أو ما يُسمى الوضوء (لم ترد هذه التسمية فى القرءان)
ويطرح السؤال نفسه إن كان مفهوم الصلوة فى القرءان مختلف، فماذا عن أمر الغسل (الوضوء)! لنتدبر إذًا هذا البيان القرءانى من سورة النساء وهو متعلق بهذا الأمر (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ٤٣) سورة النساء
نلاحظ هنا ورود تعبير (حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) فهل نحن نقول القرءان أثناء الصلوة أم نقرأه!
وما وجدته فى البيان القرءانى أن قرءاة القرءان قد أتت مع الفعل يقرأ ولم تأتى مع الفعل يقول على سبيل المثال فى هذا البيان (فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ٩٨) سورة النحل
أو فى البيان التالى (وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابًا مَّسۡتُورًا ٤٥) سورة الإسراء
(..فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنًا.. ٢٠) سورة المزمل
أما فى هذا البيان من سورة المزمل فقد ورد أيضًا استخدام تعبير قراءة القرءان اثناء قيام النبى فى الليل وطائفة من الذين معه، مع ملاحظة أن قرءاة ما تيسر من القرءان جاءت منفصله عن إقامة الصلوة (فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ)، أي أن إقامة الصلوة ليست بالضرورة هى قرءاة القرءان بل تبدو أنها عمل أخر مختلف.
أما الحالات التى يأتى فيها فعل يقول فى البيان القرءانى فهو يشير عادة إلى حوار يجرى بين طرفين أو أكثر كما فى المثالين التاليين: (..إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا..٤٠) سورة التوبة أو (..فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ..٤٧) سورة غافر
وإن عدنا للبيان الذى يتحدث عن الغسل للصلوة (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ٤٣) سورة النساء
فنرى مما تقدم أن إستعمال تعبير (حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) يبدو أنه يؤيد مفهوم أن الصلوة عبارة عن أقوال أو حوار مع أخرين وهذا قريب من مفهوم أن الصلوة هى من التواصل والعلاقة السلمية مع الأخرين، ومن السياق نفهم أنها قد تعنى القيام بالدعوة إلى الله والتى تتطلب هنا الغسل والنظافة وإن لم يتواجد الماء فالتطيب بالصعيد الطيب (عصارة النبات الطيبة/ العطور) وليس مسح الوجه واليد بالتراب كما ورد فى كتب التراث.
الصلوٰة الوسطى
يبدو أن تعبير الصلوة الوسطى الذي جاء فى سورة البقرة فى وسط سياق يتحدث عن الطلاق لا علاقة له بالطقوس الحركية اليومية. بل جاءت مفردة الصلوة هنا بمعناها العام الذى هو من العلاقة السلمية بين المُطلقين. فلو أمعنا النظر فى سياق الموضوع الذى جاء فيه هذا التعبير فهو موضوع يتحدث عن الطلاق والمحافظة على علاقة وسطى أى تتميز بالفضل بين المُطلقين. وهذا هو البيان القرءانى فى سياقه الذى يجب أن نتدبره من خلال هذا السياق وموضوع الطلاق.
(وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ٢٣٧ حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ ٢٣٨ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانًا فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ ٢٣٩ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجًا وَصِيَّةً لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٢٤٠) سورة البقرة
وقد جاءت كلمة الوسطى ومشتقاتها فى القرءان الكريم فى عدة مواضع أخرى وبنفس المعنى بأن الوسطى تتعلق بصفة الأفضلية (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةً وَسَطًا..١٤٣) سورة البقرة
فالمقصود هنا ليس العدد، وأن أمة تتوسط الأمم الأخرى بل من صفاتها أن لها الأفضلية بين أمم أخرى.
وفى النص التالى يتكرر نفس المعنى أن صفة الطعام تكون وسطى بمعنى أفضل (فَكَفَّٰرَتُهُٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ.. ٨٩) سورة المائدة
صلوة الخوف
(وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوًّا مُّبِينًا ١٠١) النساء
يبدو لى أن هذا البيان لا يمكن أن يتحدث عن الصلاة الحركية، فالأقرب للفهم هو أن البيان يتحدث إلى المؤمنين فى حالة السفر ويعلمهم أنه فى حالة الخوف من عداء الكفرين، لا جناح عليهم فى التقصير من التواصل مع الكفرين.
ولا يستقيم الفهم مع مفهوم تقليل المؤمنين من عدد حركات الصلوات الخمس خوفًا من فتنة الكفرين. فالمؤمن لا يقوم بأداء الصلاة الحركية أثناء ضربه فى الأرض فى الأماكن العامة أمام أعين اعدائه، بل بإمكانه أدائها فى مكان مستور عن الغرباء. كما أنه لن يفيده أن يصلى ركعتين بدل من أربعة إن كان هناك خطر يهدده من جهة الكفرين، وسيتم البطش به فى كلتا الحالتين. إذًا لن يسعفه أمر التقليل من عدد الحركات التى يقوم بها!
أما مفهوم التقصير من الصلوة بأنه هو التقصير من تواصله مع اعدائه أثناء الضرب فى الأرض فهو بالنسبة لى أقرب للصواب.
ماذا عن مفردة الصلاة؟
لم تأتى المفردة مكتوبة بهذه الطريقة فى القرءان، بل جاءت مرتبطة بضمير فى تسعة مواضع مثل صلاتك، صلاتهم، صلاتى
(قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ١١٠) الإسراء
لو حاولنا أن نتدبر ذلك البيان فنلاحظ التالى:
الملاحظة الأولى: قل (يامحمد للناس) أن يدعوا الله أو الرحمن...... ولا تجهر (يامحمد) بصلاتك ولاتخافت بها. أستنتج من السياق هنا أن الله تعلى يأمر رسوله أن يُعلم الناس أن يدعوه بأسمآئه الحسنى، وقد استخدم القرءان هنا مفردة (صلاتك) للدلالة على حديثه مع الناس، فيبدو أن صلاتك تعنى هنا دعوتك. فلا تكون دعوتك للناس جهرية أو مُعلنة ولا فى الخفاء الكامل وإنما بين هذا وذاك. ويبدو أنه لا علاقة هنا بين إرتفاع الصوت وإنخفاضه أثناء اداء (الصلاوات الخمس) وما يخبره القرءان هنا، كما فهمنا من تعاليم التراث. الذى يذهب إلى أن المقصود هنا هو الإعتدال بين رفع الصوت أو خفضه أثناء اداء ما يُسمى بالصلوات الخمس.
فالجهر هو الإعلان عكس السر وليس رفع الصوت كما فى البيان التالى (وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ ٱجۡهَرُواْ بِهِٓ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ١٣) المُلك
والجهر هنا من العلن والظهور عكس الخفاء فى البيان التالى (إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ ٧) الأعلى
الملاحظة الثانية: بيان سورة الإسراء هنا يخاطب الرسول فقط وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ ولم يقل يأيها الذين ءامنوا لا تجهروا بصلاتكم.
مفهوم السجود
على مايبدو أن تعبير السجود الذى جاء فى القرءان الكريم لا يعنى كما توارثنا أنه حركة تقام أثناء الصلوٰة وهى وضع الجبهة على الأرض، ولكن تعبير السجود الذى جاء فى عدة مواضع فى القرءان الكريم هو بمعنى الإنقياد كما فى البيان القرءانى التالى: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُ لَهُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٞ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكۡرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ ١٨) سورة الحج
فالبيان السابق يتحدث عن سجود الشمس والجبال والدواب وكثير من الناس، وما ينسجم مع السياق هنا هو أن السجود بمفهوم إنقياد هذه المخلوقات للخالق وليس النزول بالجبهة على الأرض لإن ذلك غير وارد فى حالة الشمس أو الجبال أو الدواب.
وهذا المعنى يتكرر فى هذا البيان التالى أيضًا حيث يبدو أن المعنى المقصود هو إنقياد حركة الشمس والكواكب ليوسف عليه السلام (إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبًا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ ٤) سورة يوسف
وفي البيان التالى (وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا.. ١٠٠) سورة يوسف
فيبدو لى أن مفهوم السجود هنا هو الإنقياد لإرادة يوسف الإبن ومنصبه كوزير عند الملك، ولا ينسجم المعنى هنا أن الأبوين ينزلان بجبهتيهما على الأرض أمام الإبن يوسف عليه السلام.
أما كلمة خروا فى البيان السابق لم تأتى بمعنى السقوط أو النزول، بل جاءت بمعنى أقبل كما فى البيان التالى (وَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَمۡ يَخِرُّواْ عَلَيۡهَا صُمًّا وَعُمۡيَانًا ٧٣) سورة الفرقان
والمعنى المقصود هنا هو أن المؤمنين إذا ذُكروا بآيت ربهم لم يُقبلوا عليها بآذان وقلوب مغلقة، وهو تأكيد للمعنى هنا (وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا) أن المقصود هو الإقبال فى الإنقياد لمنصب يوسف عليه السلام.
ويتكرر نفس المعنى فى البيان التالى (وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدًا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٥٨) سورة البقرة
فتأتي كلمة سجداً فى النص السابق بمعنى الدخول إلى القرية بإنقياد لأمر الله تعلى، وليس المقصود دخول الباب أثناء وضع الجبهة على الأرض.
وفي البيان التالى (قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ سُجَّدًا ١٠٧) سورة الإسراء
يبدو أن المقصود بالتعبير القرءانى (يَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ) هو الإقبال بقوة أو بحد زائد، وليس المقصود هو السقوط على الذقن، وقد جاء هذا التعبير فى القرءان الكريم فى مواضع آخرى مثل البيان التالى (إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلًا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ ٨) سورة يس
فأغلال الأعناق فى النص السابق هو تعبير قرءاني معناه التضييق وهو عكس البسط، ويبدو أن المعنى العام للنص (إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلًا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ) هو أن الله تعلى قد ضيق عليهم بقوة أو بحد زائد (إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ)
ويؤيد ذلك المعنى أيضاً ما ورد فى البيان التالى حيث جاء تعبير اليد المغلولة إلى العنق أي التي عليها تضييق فى الإنفاق وهى عكس اليد المبسوطة للإنفاق (وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومًا مَّحۡسُورًا ٢٩) سورة الإسراء
ومما سبق يتضح لى أن تعبير السجود أتى بمعنى الإنقياد لطاعة الله تعلى، وتعبير خر ساجداً جاء بمعنى الإقبال على إنقياد الطاعة، وتعبير خروا للأذقان سجداً أتى بمعنى الإقبال على إنقياد الطاعة بقوة أو بحد زائد.
وأنه من الواجب فهم هذه التعبيرات القرءانية كما جاءت وإنسجمت مع مفاهيم البيان القرءانى عامًة، وعدم اللجوء لإخضاع هذه التعبيرات لما درج عليه الناس وفرض هذه المفاهيم على القرءان الكريم.
مفهوم الركوع
جاء تعبير الركوع فى القرءان الكريم بمعنى يخالف ماهو معروف بأن الركوع هى إنحناء بالجسم، بل يبدو أن الركوع جاء فى القرءان الكريم بمعنى الرضا والدليل على ذلك فى البيان التالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ ٥٥) سورة المائدة
فالمعنى هنا لا يستقيم أن يؤتي المؤمنون الزكاة وهم منحنون بأجسامهم، وإنما يستقيم معنى النص مع كون الركوع هو من الرضا، كما أن معنى الإنحناء بالجسم أيضاً لا يستقيم فى قول يقيمون الصلوٰة وهم راكعون، فهل يقيم المؤمن الصلوٰة وهو منحنى الجسم! بل أن معنى النص يستقيم أن الذين آمنوا يقيمون الصلوٰة ويؤتون الزكاة وهم فى حالة الرضا.
ويؤيد هذا المعنى أيضًا البيان التالي (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ ٤٣) سورة البقرة
حيث يأمر الله تعلى فى النص السابق بنى اسرائيل أن يقيموا الصلوٰة ويؤتوا الزكاة ويركعوا مع الراكعين، وقد ورد الركوع منفصلًا عن الصلوٰة فهو إذن فعل منفصل عن إقامة الصلوٰة، إما معنى تعبير الركوع الذى يتفق مع السياق فى النصين السابقين هو أن الركوع معناه الرضا بما أمر الله تعلى.
محتوى الصلوات الخمس ومفتاح دخول الجنة
تحتوى الصلوات الخمس إن أردنا أن نحللها على: قراءة القرءان، دعاء، حركات جسمانية، قراءة التشهد.
ويعتبر مقدسى التراث أن هذه الأفعال هى مفتاح الجنة وعماد للدين. ويوم الحساب لن يتم النظر فى أعمال الإنسان إلا إذا صلح هذا النوع من الصلاة.
أولًا: لم يأتى دليل فى القرءان أن هذه الثلاث أعمال مشتركة هى الصلوة التى يتحدث القرءان عن إقامتها.
بل جاء فى القرءان تلاوة الكتب ودراسة الكتب غير مندمجة بل منفصلة عن إقامة الصلوة كما فى هذا البيان:
(إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرۡجُونَ تِجَٰرَةً لَّن تَبُورَ ٢٩) فاطر
وكذلك لم يأتى دعاء الله مرتبطًا مع إقامة الصلوة.
أما الحركات الجسمانية فلم يأتى ذكر لها فى القرءان، وتم إلصاقها بمفردات مثل السجود والركوع التى وردت فى القراءن تعنى الخضوع والرضى.
وقرءاة ما يُسمى بالتشهد لا أرى جدال فى عدم تكليف الله تعلى المؤمنين بقرائته عدة مرات يوميًا فيما جاءنا من كتبه.
ثانيًا: هل ترى معى أن الله تعلى لم يذكر فى القرءان أنه سيُدخل من يقرأ القرءان الجنة أو من يقوم بدعائه لقضاء حاجة أو لشفاء مرض!
هل ترى أن قرءاة القرءان ودعاء الله بالمغفرة أو قضاء حاجة تستحق أن تكون مفتاح للجنة؟
فالقرءان كتب الله تعلى الذى يعرفه جيدًا ولا يريد من الناس تريدده ليسمعه، بل العمل بما جاء فيه من الأحكام والحكمة والتى هى من العمل الصالح الذى وعد الله أصحابه بالجنة والحيوة الطيبة (وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرًا ١٢٤) النساء
أما من يقرأ القرءان فلم يأتى بحقه بيان قرءانى يبشره بالجنة، ومن يدعو الله تعلى قد يتم إستجابة دعائه، ولكن لم يأتى قرءانًا يوعده بالجنة لمجرد قيامه بالدعاء مع قرءاة القرءان كما يعتقد الكثيرون ممن يؤمنون بتكليف الله تعلى بالصلوات الخمس.
الخلاصة:
لم يرد فى القرءان الكريم تكليف واضح بأداء الصلوات الخمسة المعروفة عند الناس وبالكيفية التى يعرفها الجميع. لا يوجد نص قرءانى صريح يقول على سبيل المثال "يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فأفعلوا كذا وكذا..."
كما أنه لم يأتى نص واضح صريح يقول "يأيها الذين ءامنوا كُتبت عليكم الصلاة فى خمسة أوقات هى كذا وكذا...."
كل ما يستند عليه من يحاول إيجاد الصلوات الحركية هى نصوص قرءانية تتحدث عن موضوع أخر، ويتم إستنتاج وجود هذه الصلاة الحركية من خلال النص أو وجود أوقات أداءها. مثل بيان سورة النور رقم 58 الذى يتحدث عن ءادب الإستئذان، أو بيان سورة النساء الذى يتحدث عن تعاليم للمؤمنين أثناء اللقاء مع العدو أثناء قيام نزاع بينهم (صلوة الخوف). أو بيان سورة البقرة الذى يتحدث عن الطلاق (الصلوة الوسطى).
بينما لا يوجد كما أكرر دائمًا نصًا خاصًا بهذه الصلوات مع أهميتها. فأين البيان القرءانى الواضح الخاص بتكليف المؤمنين بالقيام بالطقوس الحركية ويسميها الصلوة؟ وأين البيان القرءانى الذى يصف كيفية اداء الطقوس الحركية وعدد مرات ادائها؟
فإن كان كتاب الله تعلى لا يحتوى على الصلوات الخمس، فهل تواتر الأجيال على القيام بها يجعلها من تعاليم رب العلمين! وهل هذا هو المقياس الذى ذكره القرءان الكريم؟
علينا إذًا بتدبر هذا البيان القرءانى (أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمًا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلًا وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ ١١٤ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقًا وَعَدۡلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١١٥ وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ ١١٦) الأنعام
والله تعلى أعلم
التعليقات على الموضوع (93)