ما حقيقة حد المرتد عن الإسلام
من المشهور عند المسلمين وغيرهم أن هناك مايسمى بحد الردة عن الإسلام، أي أن تحول المسلم عن دينه وإعتنق عقيدة آخرى فالواجب قتله، وإن حاولنا البحث عن أي دليل على هذا الكلام في القرءان الكريم فستجد الآتي:
يقول الله تعالى: ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾ سورة البقرة
فهى تقرير واضح من الله تعالى بحرية الإعتقاد وأن مسألة الدين لا يتم إكراه أحداً عليها، ولكن يوجد بعض الأراء تقول أن هذا النص المقصود به الذي يريد أن يعتنق الإسلام لأول مرة ولكن الذي يريد الخروج من الإسلام لا ينطبق عليه ويجب إكراهه على الإحتفاظ بالإسلام وإن أبى فيجب قتله، وهذا تلفيق وإفتراء فالنص لم يحدد أحداً ولم يستثني أحداً فهو جاء عاماً.
ويقول الله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)﴾ سورة يونس
ويقول الله تعالى: ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)﴾ سورة الكهف
ومن النصوص السابقة كلام صريح من الله تبارك وتعالى في تقرير أن للبشر الحق التام في الإختيار بين الكفر والإيمان وأن هذا حق أعطاه الله للبشر وسنته في هذا الحياة ثم يوم القيامة سيقوم وحده بعملية إثابة المؤمنين على إيمانهم ومعاقبة الظالمين على ظلمهم.
ويقول الله تعالى: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)﴾ سورة التوبة
ويرد النص القرءاني السابق على الآراء التي قامت بدون دليل بالتفريق بين الكافر الذي لم يدخل الإسلام والذي اعتنق الإسلام بالفعل ثم بدل دينه، فالنص يتحدث عن منافقين في عهد الرسول الكريم قد كفروا بعد إسلامهم، ولم يذكر أي عقوبة لهم قد وكلها للبشر أو الرسول الكريم بل هي عقوبة إلهية من الله سبحانه وتعالى مباشرة بالعذاب في الدنيا والآخرة.
ويقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾ سورة المائدة
في النص السابق تأتي كلمة الإرتداد عن الدين واضحة ولم يرد ذكر أن الله تعالى قد أمر المؤمنين بتوقيع عقوبة عليهم سوى أن الله سيبدل المؤمنين بقوم خير منهم.
ويقول الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)﴾ سورة البقرة
أيضاً تجد في النص السابق ذكر واضح لمن يرتد من المسلمين عن دينه وأنه إن مات وهو كافر فسوف يحبط الله عمله في الدنيا والآخرة، أي أنه مذكور أن يموت ولم يقتل، وإن كان هناك حد من الله بالقتل لكان من الأولى أن يظهره الله تعالى في كتابه الكريم واضحاً جلياً لا يختلف فيه الناس ولا يدخلون في قيل وقال ولا سيما وهذه قضية تتعلق بقتل إنسان.
والخلاصة هنا أن الله تعالى قد اعطى الأنسان حق إختيار العقيدة ولم يرد في القرءان الكريم أي نص يوكل أحد بتوقيع عقوبة على المرتد عن دينه، والآحاديث التي تنسب للرسول الكريم عن توقيع هذا النوع من العقوبات هي بالتأكيد تزوير لأنها مخالفة صراحة لنصوص قرءانية، والرسول صلى الله علية وسلم هو أكثر من فهم القرءان وطبقه ومن المستحيل أنه قد خالف أوامر الله تعالى وأمر بغير ذلك.
فيقول الله تعالى: ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)﴾ سورة التوبة
فالنص يقرر أنه لو أن الرسول قد تَقَّول على الله تعالى ما لم يُأمر به لوقع عليه عقاب من الحق سبحانه وتعالى، إذن القرءان الكريم قد برأ الرسول من تغيير كلام الله، وهذا دليل على كذب الروايات التي تنسب للرسول الكريم أنه أمر بقتل المرتد عن دينه.
والغرض من هذا المقال ليس سوى توضيح هذا الأمر للمسلمين وغيرهم من باب التبليغ بالحق والمساهمة على إزالة هذه التهمة التي أُلصقت بغير حق بالإسلام.
التعليقات على الموضوع (12)