ترتيب نزول سور القرآن الكريم (1)
الكتابة عن ترتيب السور حسب النزول لم يكن هدفاً بحد ذاته، لولا أني وجدته من الضرورات القصوى عندما شرعت في الإعداد لكتابة تاريخ الإسلام في عصر الرسول معتمداً القرآن الكريم كمصدر، دون الاستعانة بحديث أو تفسير، أو أي كتابات بشرية أخرى. فكان لابد من التعرف على ترتيب السور حسب نزولها، ليكون بالاستطاعة تتبع الأحداث وسردها بطريقة منطقية تتماشى مع تسلسلها التاريخي.
وكان لابد من مراجعة ما قاله المفسرون الذين يزعمون أن سورة العلق - والآيات الخمس الأولى تحديداً – هي أول ما نزل على رسول الله، معتمدين في ذلك على تصوراتهم عن كيفية الوحي، وتخيلهم أنه يتم عبر لقاء حسي فعلي بين محمد والملك المكلف بالتبليغ، والذي يقوم بتلقين الرسول الآيات المنزلة عليه، بنفس الطريقة التي يعرفها العرب للتعلم. والمتمثلة بتلاوة العبارة المراد تلقينها، على مسامع المتلقي، الذي يقوم بترديدها حتى يحفظها.
والسلف يتحملون وزر ترتيب سور القرآن بالشكل الذي هي عليه في المصحف، وضياع الشكل الصحيح للترتيب حسب النزول. ولا أستطيع تصور أن الأتقياء من الصحابة لا يعرفون ترتيب السور حسب النزول، أو أنهم يعرفونها ولكنهم تعمدوا ترتيب سور المصحف بهذه الطريقة التي هي عليه الآن. ولا أدري هل كان المصحف الإمام، الذي كتب في عهد رسول الله، ومنه نُسخت المصاحف، قد رتبت السور فيه كما نزلت، أو أن كل سورة قد كتبت لوحدها، وجمعت في ذلك المصحف، ولما جاء النُّساخ للنسخ من ذلك المصحف لم يتمكنوا من التعرف على الترتيب.
ولو أن التدوين الكتابي من ثقافة قريش والعرب عموماً، لكان من السهل التعرف على الترتيب الصحيح لنزول السور، حتى لو ضاع من المصاحف المنسوخة. لأننا سنرث سجلات توثق فترة الدعوة وحياة محمد من شهود عيان، إضافة لتسجيل تواريخ نزول السور.
لكن أمية العرب وما حدث لترتيب السور عند نسخ المصاحف جعلنا نفقد الترتيب الصحيح، ولم يعد بالإمكان التعرف على اليوم الذي نزل فيه الوحي للمرة الأولى، والشخص أو الأشخاص الذين استمعوا لمحمد وهو يتلو ما أوحي إليه للمرة الأولى، ولا نعرف أحداثاً كثيرة صاحبت استمرار الدعوة. كل هذا نتيجة لأن قريش، قوم أميون مثل غالبية قبائل جزيرة العرب. ولو كانوا أهل كتابة وتوثيق كاليونان أو الرومان، لوجد لدينا سجلات ضخمة عما صاحب الدعوة من أحداث في مكة والمدينة، حتى ولو عكست ميول كاتبها وزورت بعض الحقائق.
وأهمية التعرف على ترتيب السور حسب النزول تكمن في القدرة على ترجمة الأحداث - التي أخبر بها القرآن - إلى تاريخ، ولا يمكن استقراء التاريخ الإسلامي من القرآن قبل التعرف على ترتيب السور كما نزلت، وليس بترتيبها الحالي في المصحف، أو الترتيب الآخر الذي قال به المفسرون.
المنهج المتبع والخطوات العملية لترتيب السور
التعرف على ترتيب السور حسب النزول يحتاج لممارسة من نوع خاص، يمكن لأي شخص القيام بها، متى استطاع الوصول إلى درجة مقبولة من التجرد في قراءة القرآن. ودرجة القبول هذه يمكن قياسها بمدى القدرة على التسلح بنقاط أساسية عند القراءة، أهمها:
- نزول القرآن سورة سورة
( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿١٢٤﴾) سورة براءة
- السورة عبارة عن رسالة تنزل لتتفاعل مع الأحداث التي تجري حين نزولها
- التسلسل المنطقي للمواضيع والأحداث
- القصص في القرآن
وهذا العامل يساعد في ترتيب السور كون السور التي تتحدث عن تاريخ بني إسرائيل – بوجه عام -سبقها السور التي تتحدث عن الأمم التي أهلكت والتي تخاطب قريش.
- سنة الأولين
ونقصد بها تلك العادة التي اعتادها الناس على الدوام في مواقفهم من الدعوة الدينية، وموقف الناس من دعوة الرسل. بدء الدعوة، واستقبال الناس لها يكون باللامبالاة، لأنهم لا يتصورون أنها ستستمر.
استمرار الدعوة. وهنا تظهر ردة الفعل القوية من الغالبية العظمى من قريش، التي ترفض الدعوة رفضاً باتاً، بقيادة السادة والكبراء، مقابل قلة تقبل بها.
- الوحي ينسخ في الذاكرة وليس تلقين
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾) سورة الشعراء
- فرض التشريعات يكون بعد تكون مجتمع مسلم
- تناسي كل ما ورد في علوم الدين
- المخاطب
- نوع الخطاب
فلو كان هناك سورة تطلب من المسلمين أن يصبروا على الأذى، وسورة تطلب من المسلمين أن يعاقبوا من يعتدي عليهم بمثل ما اعتدى. فمن الطبيعي أن تكون السورة التي تأمر بالصبر تسبق في النزول السورة التي تأمر بمعاقبة المعتدي.
- الملامح
ونقصد بالملامح هي تلك الصفات والمواصفات والمواضيع التي تتكرر في سور مرحلة من المراحل بحيث تميزها عن سور المراحل الأخرى.
- السياق
سياق العبارة ضمن الآية، سياق الآية بما حولها من آيات، سياق الآيات ضمن السورة كلها، سياق السور.
نهاية الجزء الأول.
التعليقات على الموضوع (13)